في كل مارس من كل سنة نستحضر ذواتنا ونطرح تساؤلات وجودية تخصنا قد لا نعثر لها على أجوبة شافية في الثقافة "الذكورية" "المغشوشة"، لكن ذلك لن يمنعنا من طرحها على رغم عناد الكبت والجمود...
نتساءل إذا عن سبب شغور مكانتنا – كنساء- في الوجود البشري خاصة في ثلاثية : التكريم وحمل الأمانة والاستخلاف في الأرض ؟؟. لكن وقبل التساؤلات المشاكسة
سنجلس قليلا مع التراث ومع الأسس المنهجية التي من خلالها تمت إعادة المنتوج الجاهلي رغم وضوح عدالة الرسالات السماوية وصدق الرسل، فسيطرة التراث البشري هي التي أسهمت في إحياء التراث الجاهلي الذي تمت عملية إعادة إحياء موروثه في تاريخنا العربي حتى انعكس ذلك على بنية العقل العربي حين أنتج متأثرا بتلك الروافد التي كانت نتيجة لدور المثاقفة والاحتكاك ، أما اليوم فسنستفتح مقالنا بمقولة للمفكر العربي محمد عابد الجابري حين يقول:"لقد تشكلت بنية العقل العربي ، إذا، في ترابط مع العصر الجاهلي فعلا،و لكن لا العصر الجاهلي كما عاشه عرب ما قبل البعثة المحدية، بل العصر الجاهلي كما عاشه في وعيهم عرب ما بعد هذه البعثة: العصر الجاهلي بوصفه زمنا ثقافيا تمت استعادته وتم ترتيبه وتنظيمه في عصر التدوين الذي يفرض نفسه تاريخيا كإطار مرجعي لما قبله وما بعده".
وعن هذه المجتمعات التي رسمت بثقافتها الإقصائية دور الأنثى داخل مجتمعات أصبحنا اليوم بإمكاننا وصفها بالبدائية ، بحكم سيطرة الرجل -لأنه رجل - على النساء، حيث تقول فاطمة المرنيسي : " ..خاصة بالنسبة للثقافات التي تجسد فيها العلاقة بين المرأة والرجل علاقة السلطة ، وترمز إليها مجتمعات حددت هوية الرجل ورجولته بقدرته على إخفاء المؤنث والتحكم فيه ، ولا تشعر البتة الحاجة إلى التخلي عن ذلك".
بعد تقديمنا لنماذج من تلك المؤثرات التي شوشت على سيّاقنا الديني خاصة منه فيما يتعلق بظلم المرأة، أصبح بإمكاننا أن نستنتج بشيء من الثقة أن ذلك التراث وتلك المرويات قد امتزجا بمنظومتنا الدينية والفكرية والأدبية، لتجعلنا في حلقة مفرغة من نتاج الدياّنات المحرّفة والحضارات القديمة والبدائية.
وبما أن التراث نتاج بشري وتجارب أمم، فإنه ينقسم إلى عدة مستويات منها الأدبي والديني، وهذه الأقسام هي التي أخذت مواقعها في شخصيتنا الحضارية إبان تشكل المعارف، فتجلّت في شكل مرويات وقصص ذات طابع خرافي أسطوري ، دخلت إلينا من التراث العربي واليهودي أساسا، أخذت مكانتها في التفسير، بما أصبح يعرف في عرف المفسّرين ب"الإسرائيليّات" وعن هذا الجنس من التفسير الذي شغل بال علماء الأمة من أجل تنقيّة معارفنا من أدرانه ، يعلّق أحد الباحثين المستنيرين قائلا: " ...فالحقيقة أن تلك المرويات تعبّر عن معتقدات الناس في تلك الفترة التاريخية، وهي المعتقدات الناتجة عن عمليّات التأثير والتأثر بين الإسلام والأديان السابقة عليه على المستوى الثقافي والفكري . فمن المعروف أن اليهود الذين اعتنقوا الإسلام مزجوا بين التراث اللاهوتي اليهودي، وبين العقيدة الإسلامية، واتضح هذا المزج قويا في لجوء المسلمين لإخوانهم المسلمين –الذين كانوا يهودا منهم- في تفسير كثير من القصص القرآني...."
يـــــتواصـــــل...
د.تربة بنت عمار